سلامة يطمئن إلى استقرار الليرة لسنوات: مصرف لبنان سيكون في السوق طوال الوقت

النهار

July 11, 2018

BACK

بين فينة وأخرى، تهب على لبنان عواصف داخلية وخارجية أمنية، وسياسية، تحمل معها الكثير من الشائعات والتحليلات والاستنتاجات، يكون محورها الجوهري الاقتصاد والليرة. فتارة يعلن مسؤول رفيع افلاس الدولة، وتارة أخرى يضعها على حافة الانهيار، ومحللون بالجملة، إما ينعون الاقتصاد وإما في أحسن الاحوال يمهلونه أشهرا او القليل من السنوات. وحده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالكلمة التفاؤلية، وبالنظرة العلمية للأسواق، والعليمة بالخبايا، يعيد تصويب الأفكار والتحليلات الى وجهتها الصحيحة. فهو المجرب العتيق الذي اختبرته الدولة والمالية العامة، منذ ما يزيد على ربع قرن، يوم أمسك بدفة الاستقرار النقدي وقاده بثقة الى برٍ الأمان، وحارب على جبهات لتثبيت سعر صرف العملة الوطنية، دافعه الى ذلك تمتين ثقة المستثمرين بها، وتدعيم القطاع المصرفي وتطويره، والعمل على اتخاذ مبادرات تساهم في حماية الحركة الاقتصادية، حيث لا يزال لبنان واللبنانيون بفضل حنكته وعلميته وصوابية قراراته ينعمون باستقرار مالي ونقدي، بالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية المحلية والاقليمية القاسية.

من مكتبه في مصرف لبنان يتصدى الحاكم للحملة المبرمجة على الليرة والاستقرار النقدي، ومن هنا يبدأ الحديث. الحديث عن الهواجس التي تقض مضاجع اللبنانيين أمام أي أزمة أو استحقاق. هذا الهاجس الذي يتفهمه الحاكم جيدا، جعله يستفيض في الحديث عن الوضع النقدي “المستقر” وثبات الليرة لآجال طويلة. فسوق القطع “يتصرف بشكل طبيعي وبأحجام لا تشي بأن ثمة هلعا أو قلقا أو بوادر أزمة. حتى إن اسعار السندات اللبنانية عادت الى التحسن وتشهد طلبا عليها. وكذلك ثمة مؤشر ايجابي آخر يتعلق بانخفاض كلفة التأمين على المخاطر اللبنانية (CDS). هذه العوامل هي عوامل طمأنة، ولكن ما يهمني تأكيده في ظل الشائعات الكثيرة في هذه الأيام هو أن “الليرة اللبنانية مستقرة وغير مهددة، ولا شيء سيتغير حيال أهدافنا كمصرف مركزي، مع التركيز على امكاناتنا المرتفعة بالنسبة الى الموجودات الاجنبية، والتي تقدر بنحو 44 مليار دولار، باستثناء الذهب”. الشائعات التي طالت الليرة تم ربطها بفترة محددة، ولكن الحاكم يؤكد أن لا مهلة للاستقرار المستمر لسنوات مقبلة … وكل ما يحكى عن تواريخ هدفه تخويف الناس فقط.

وفيما لم يعر أي اهتمام لمروجي هذه الشائعات، على الرغم من اقتناعه بأن ثمة مصلحة وخلفيات لم يشأ الخوض في تفاصيلها، إلا أنه أكد أن ثمة أهدافا من هذه الشائعات، وهي مستمرة على ما يبدو، بدليل أن كل الاخبار الجيدة يجري التعتيم عليها، فيما الأخبار المثيرة للقلق يجري تعميمها وتضخيمها، وما جرى بالنسبة الى انخفاض أسعار الأوروبوندز اللبنانية ومن ثم ارتفاعها لاحقا أكبر دليل على ذلك.

هذه الشائعات تثبت يوما بعد يوم مناعة السوق، “لا بل ان وضعنا مرتاح اجمالا، زيادة في الودائع التي نتوقع أن تصل الى %5، واستقرار بموجوداتنا بالدولار، وفي الوقت عينه ثمة تحسن في النظرة الخارجية بسبب التحسن في أسعار الاوروبوندز”.

هل هذا يعني أن مصرف لبنان لم يضطر حتى الآن الى التدخل في السوق؟ “تدخلاتنا محدودة وليست دائمة، وهناك عرض وطلب بين المصارف، ولا أرقام لافتة تضطرنا الى الاعلان عنها، علما أننا ننشر ميزانيتنا كل 15 يوما، وهي لا تشير الى تقلبات كبيرة”.

ولا يجد الحاكم عائقا في سياسة تثبيت الليرة، وخصوصا حيال الكلفة المترتبة عليها، “في استطاعتنا ايجاد الموارد اللازمة، وهذا التوجه مستمر. فسياسة البنك المركزي معالجة نتائج المالية العامة، وليس هو من يفتعل الكلفة على المالية العامة”، معتبرا أن “اي أزمة مالية أو نقدية ستضغط على كل اللبنانيين، وستؤثر على قدرتهم الشرائية وتؤدي الى وضع اجتماعي صعب، عدا عن أنها تفقد الثقة بالقطاع المالي، وتاليا فإن الحركة الاقتصادية ستتأثر والفوائد سترتفع، بما سيدخلنا في أزمة أكبر من الاكلاف التي يتحملها مصرف لبنان والتي يديرها بنجاح، بدليل أنها لم تؤثر على امواله الخاصة التي ازدادت مع الوقت. سنة 1993 كانت أموالنا الخاصة تقدر بـ60 مليون دولار، اليوم اصبحت تناهز الملياري دولار، علما أننا خلال هذه الفترة دفعنا للدولة في شكل أو آخر 4 مليارات دولار”.

هذه المعطيات لا تعني أن على الدولة أن تنام على حرير، على الرغم من ان سلامة يؤكد أن “مصرف لبنان سيكون موجودا في السوق كل الوقت، لأن مصلحة لبنان تقتضي ذلك”. فالحاكم يرى ان ثمة ضرورة لضبط المالية العامة والاصلاحات، وثمة ضرورة لتفعيل القطاع الخاص. فحصة القطاع العام من الناتج المحلي اصبحت تشكل حاليا 35 في المئة، في حين أنها كانت 17 في المئة قبل الحرب اللبنانية، وهو ما يشكل ثقلا على الاقتصاد. ولكن يعود ليؤكد “أن هذا لا يعني أننا سنتخلى عن دورنا في المحافظة على الاستقرار، لأن هذا الامر منفصل”.

بالحديث عن الهندسات المالية، يشير سلامة الى التحديات التي واجهت القطاع المصرفي بدءا من العقوبات الاميركية ومقررات بازل 3، وتطبيق معيار الـ IFS. فالعنصر الاساسي في سياستنا يقضي بعدم السماح بانهيار أي مصرف، ولهذا كان قانون الدمج. كما يهمنا ألا تكون اموال المودعين مهددة في لبنان. وهذه السياسة نجحت، بدليل أن حجم الودائع يشكل 3 مرات ونصف مرة الناتج المحلي. وإذ لم ينف أن المصارف أفادت من هذه الهندسات، أكد أن الاموال التي أفادوا منها ستبقى في لبنان لكونها أموالا لبنانية”.

في الفترة الاخيرة، أشيع أن بعض المصارف، وتحديدا بنك عوده، بدأ بتشجيع المودعين على تحويل مدخراتهم من الدولار الى الليرة اللبنانية وتجميدها بفائدة وصلت الى %15 لخمس سنوات، وهذه الخطوة أثنى عليها الحاكم، خصوصا أنها “لقيت تجاوبا من المودعين، اضافة الى أنها تصب في خانة دعم الليرة اللبنانية”. وإذ أكد أن مصرف لبنان لا يتدخل في قرارات من هذا النوع، فـ”القرار دائما عند ادارة المصرف التي تقرر السير ببرامج كهذه اذا كان لديها قدرة على الأمر”، شجع الحاكم بقية المصارف على تنفيذ برامج تصب في مصلحة الليرة لأنها بذلك “تساهم في استقرار العملة وتفعيل التسليف بالاقتصاد”.

خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول من العام الماضي، أبلغ مصرف لبنان المصارف قراره التوقف عن منح القروض المدعومة، بما أدى الى بلبلة كبيرة في السوق العقارية واحباط أكبر لدى المواطنين، فهل يكون قراره نهائيا؟ يوضح أن “مصرف لبنان ليس المرجع للسياسة الاسكانية أو الصناعية أو السياحية. عندما شعرنا بتباطؤ الاقتصاد بسبب الحرب في سوريا كان همنا أن نضخ سيولة في السوق، فاخترنا الاسكان والبيئة ليستفيد من السيولة الاقتصاد واللبنانيون عموما”.

ويقول: “خلال 13 شهرا استهلكت قروض سكنية مدعومة الفوائد بـ مليارين و300 مليون دولار. وفي شهر شباط وضعنا رزمة بنصف مليار دولار استهلكت خلال شهر واحد، واستهلك أيضا مبلغ 300 مليون دولار. أمام هذا الواقع لا يمكن مصرف لبنان ملاحقة الموضوع بمعزل عن مهمته المتعلقة بالاستقرار النقدي، خصوصا أنها عملية لا حدود لها”.

وفيما يفسر البعض الامر بأن ثمة تلاعبا بهذه الاموال او انها ذهبت الى غير مستحقيها، يرى الحاكم أنها ظاهرة غير طبيعية “مردها الى حجم الطلب الكبير نتيجة سلسلة الرتب والرواتب”. ويؤكد أن “العملية مضبوطة، والكلام على أن الاموال ذهبت الى غير مستحقيها هو أمر غير صحيح، لأن 130 ألف قرض أعطيت، معدل الواحد 250 مليون ليرة”. ولكنه أشار الى مسألة مهمة، إذ أكد أنه “على الرغم من إنفاق مليارين و300 مليون دولار خلال 13 شهرا على القطاع العقاري، لم نشهد في المقابل اي تحسن في الناتج المحلي اللبناني يساوي هذا المبلغ، بما يعني أنه كان هناك “ستوك” يتم بيعه.

متى سيضخ مصرف لبنان أموالا جديدة؟ “لا امكان لذلك في 2018، أما في 2019 فسيكون هناك رزمة جديدة، نحدد قيمتها في آخر السنة”.

وتطرق الى تعثر بعض الشركات العقارية، مشيرا الى أنه “ليس من سبب لانهيار الشركات، والازمة ليس كما يتم تصويرها خصوصا في ظل تعميم يسمح للمقاول بأن يدفع دينه مقابل رهن عقار، وفي الوقت عينه فإن المصرف يستطيع أن يبيع العقار المرهون خلال فترة 5 سنوات، وفي حال لم يتم بيعه فإنه يستطيع أن يقسط كلفته طوال عشرين سنة”.

ولم يجد الحاكم اي رابط بين ازمة القطاع العقاري وأزمة الاسكان، “فالقطاع بدأ بالتراجع منذ 2011، وبعدما كان حجم القطاع العقاري يقدر بنحو 12 مليار دولار وصل حاليا الى 7 مليارات دولار. هناك انحدار يعم المنطقة ودول تواجه ازمات عقارية أكثر من لبنان”.

عملية سواب ناجحة

يؤكد سلامة أن “عملية السواب التي أجراها مصرف لبنان أخيرا كانت ناجحة، وساهمت استنادا الى ما اعلنته وزارة المال في وفر على المالية العامة بما يساوي المليار ونصف المليار دولار. صحيح أننا أقرضنا الدولة بفائدة 1%، ولكن هذا الأمر لم يؤدّ الى إضعاف البنك المركزي

أرقام

5% زيادة متوقعة في الودائع.

44 مليار دولار حجم الموجودات الاجنبية في مصرف لبنان.

2 ملياردولار الاموال الخاصة لمصرف لبنان.

35% حصة القطاع العام من الناتج المحلي.

النهار